روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | كيف تحفظ.. القرآن الكريم؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > كيف تحفظ.. القرآن الكريم؟


  كيف تحفظ.. القرآن الكريم؟
     عدد مرات المشاهدة: 4633        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له نحمده هو أهل الحمد والثناء فله الحمد في الأولى والآخرة وله الحمد على كل حال وفي كل آن.

ونصلي ونسلم على خاتم الرسل والأنبياء نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد أيها الاخوة الكرام الأحبة: ليس في هذا الموضوع وصفة سحرية يمكن بتطبيقها أن تحفظ القرآن بصورة لم تكن تتخيلها أو تتوقعها.

ولكن هذا الموضوع فيه خلاصة تجارب عملية، وهو في الحقيقة يركز على مضمون هذا العنوان، أي كيف تحفظ القران الكريم بصورة عامة لجميع الناس، مع التفاوت الذي قد يكون يختلف فيه بعضهم عن بعض.

ونريد أن نركز الإجابة على هذا السؤال" كيف تحفظ القرآن الكريم؟ " وذلك من خلال التعرض إلى خمسه نقاط مهمة:

النقطة الأولى: الأسس العامة:

نقصد بالأسس العامة الأمور التي لا غنى لك عنها ولا مجال لتطبيق ما بعدها إلا بها، وفي غالب الظن أنه لا نجاح إلا بتأملها وتحقيقها، وهي لأمور كثيرة ما نُذكّر بها، وهي أسس ينبغي أن لا نغفل عنها في هذا الموضوع، وفي غيره وهي كالتالي:

1- النية الخالصة:

 نحن نعلم أن مفتاح القبول والتيسير، إخلاص القصد لله عز ّوجل،ّ وأن كل عمل يفتقر إلى الإخلاص لا يؤتى ثمرته، وأن أتى بعض ثماره فان عاقبته في غالب الأحوال تكون فجّة، وثماره تكون مرّةز

أضف إلى أنه يُحرم من أعظم ما يتأمله المرء ويرجوه، وهو القبول عند الله عزّ وجلّ، وحصول الأجر والثواب، فلذلك مفتاح كل عمل لكي يسهل، ويعان المرء عليه، هو أن يخلص نبته لله عزّ وجلّ.

2- السيرة الصـالحة:

 يقول الله عزّ وجلّ: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، ونعلم جميعا ما يُذكر عن الإمام الشافعي من قوله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي **** فأرشدني إلى ترك المعاصي

و أخبرني بأن العلم نور **** ونور الله لا يهدى لعاصِ

ونعلم ما أثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه -:" إن الرجل ليحرم العلم بالذنب يصيبه".

فإنا نعلم أن الحفظ على وجه الخصوص يحتاج إلى إشراقه قلب، وإلى توقد ذهن والمعصية تطفئ نور القلب ويحصل بها التبلد في العقل ويحرم بها العبد من التوفيق أيضًا، فإذًا لابد أن نستعين على طاعة الله بطاعة الله وأن نجعل طريقنا إلى نيل بعض هذه الأمور من الطاعات والمندوبات والمسنونات وأمور الخير أن نجعل طريقنا إليها طاعة الله سبحانه وتعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} نتيجة عمليه تلقائية؛ لأن القلب يشرق حينئذ بنور الإيمان والنفس تطمئن إلى ما حباها الله عزّ وجلّ من السكينة والطمأنينة فيتهيأ الإنسان حينئذ لهذا العمل العظيم وهو حفظ القران الكريم.

3 - العزيمة الصادقة:

 فإن المرء الذي يعتريه الوهن، ويعترضه الخور، ويغلب على حياته الهزل، ويميل في كثير من أموره إلى الكسل، فإنه لا يمكن أن يعول عليه ولا يظن أنه يصل إلى حفظ كتاب الله – عزّ وجلّ - إلا بالعزيمة الصادقة، فلابد من التشمير عن ساعد الجد.

ولا بد أن يقلل من أمور الراحة، فيخفف من نومه، ويزيد من عمله، ويكثر من قراءته، وغير ذلك من الأمور التي لابد لها من همة قوية وعزيمة صادقة، فلا تستسلم عند أول عارض من العوارض، ولا تقف عند أول عقبه من العقبات.

4 - الطريقة الصائبة:

 وهي جزء مما سياتي حديثنا عنه، غير أني أريد أن أشير إلى أن بعض الإخوة عند ما يسمع حثًا على حفظ القران، يتشوق إلى ذلك فيبدأ بحماسة مندفعة وهي بداية غير صحيحة غالبًا ما تسلمه إلى العجز والفشل أو تصدمه بعدم القدرة على الاستمرار، كمن يبدأ حفظه مخلطا سورة من هنا وسورة من هناك مقاطع متقطعة.

وهو يرغب بعد ذلك أن يصل بينها وأن يصل القرآن كاملًا فمثل هذا غالبًا ما يتشوش عمله وينقطع بل يفقد ما حفظه وذلك لأن المقاطعه المتقطعة منفصلة عن بعضها لا تغري المرء بأن يحافظ عليها لأنها ليس لها ارتباط بما قبلها ولا ما بعدها فيكون هذا سبب لما ذكرناه.

ولسنا نريد أن نصرف أحدًا عن حفظ سورة أو سور أو أجزاء بعينها بل نريد أن نتحدث عمن يريد أن يحفظ حفظًا كاملًا على طريقة صائبة.

ومن ذلك أيضًا أن بعض الناس يبدأ أو يشرع دون أن يستشير ويسأل من حفظ قبله، أو من هو مشتغل بالتدريس والتحفيظ في هذا الميدان، فكما أنك تحتاج إلى المشورة في أي عمل من أعمال الدنيا أو أي مدخل إلى مداخل العلوم التي يدرسها الناس فأنت بحاجة ماسة هنا لذلك، وما خاب من استشار.

ومن ذلك أيضًا وجود البرنامج الواضح فعندما نقول أن هناك طريقة صائبة تحفظ بإذن الله عزّ وجلّ أن تستمر وتمشي فإنه لابد لذلك من برامج واضحة ومراحل منظمة تراعي الانتقال والتدرج مرحلة بعد مرحلة، أما يخبط الإنسان خبط عشواء، أو يحفظ أجزاء متقطعة، أو يقطع مراحل منفصلة فإن ذلك في غالب الأمر ينقطع ولا يصل إلى مبتغاة.

5 - الاستمرارية المنتجة:

 الحفظ أمر قد يطول أمده وزمانه وقد يعظم جهده والبذل لأجل الوصول إليه، فإن كنت قصير النفس فإنك في غالب الأمر لا تبلغ الغاية.

فأنت تحتاج إلى استمرار يثمر وينتج بإذن الله عز ّوجلّ وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: (وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) دليل على أن القليل دائم خير من الكثير المنقطع.

لا تبدأ البداية الكبيرة التي قلنا عنها ثم تنقطع فلا تبدأ بعمل ثم تتوقف فيه بل لابد من الاستمرارية والمواصلة، فإن الاستمرار هو الذي تحصل به النتيجة المرجوة بإذن الله عز وجل.

هذه أسس لابد منها قبل أن نشرع فيما يتعلق بالتفصيل والتفريق.

النقطة الثانية: الحفظ:

 وهو جوهر هذا الموضوع والحديث فيه عن ثلاثة أمور:

أولًا: طريقة الحفظ: فمن خلال التجربة ما نرى من عمل كثير من الحافظين يمكن أن نلقي الضوء على طريقتين اثنتين:

أ ـ طريقة الصفحة:

 ونعني بذلك أن يقرأ المريد الحفظ الصفحة كاملة من أولها إلى آخرها قراءة متأنية صحيحة ثلاث أو خمس مرات بحسب ذاكرة الانسان وقدرته على الحفظ ولايكفي مجرد قراءة اللسان، وإنما يقرأها مع استحضار القلب وتركيز الذهن فيجمع قلبه وفكره فيها فاذا أتم الثلاث أو الخمس أغلق مصحفه وبدأ يسمع صفحته.

وقد يرى البعض أن هذا لن يتم أو لن يستطيع أن يحفظها بقراءة الثلاث أو الخمس فأقول: نعم سيكون قد حفظ أولها ومضى في التسميع ثم سيقف وقفة فليفتح مصحفه ولينظر حيث وقف فيستعين ويمضي مغلقًا مصحفه وسيقف ربما وقفة ثانية أو ثالثة ثم ليعيد تسميع الصفحة.

الذي سيحصل هو أن الموضع الذي وقف فيه أولًا لن يقف فيه ثانيًا؛ لأنه سيكون قد نقش في ذاكرته وحفر في عقله فعندئذ تقل الوقفات وغالبًا من خلال التجربة سيسمع المرة الأولى ثم الثانية وفي الغالب أنه في الثالثة ياتي بالصفحة محفوظة كاملة.

إذًا يقرأ الصفحة قراءة مركزة صحيحة ثلاث مرات ثلاث أو خمس مرات ثم يسمعها في في ثلاث تجارب أو ثلاث محاولات ثم يضبطها في ثلاث تسميعات وبذلك تكون الصفحة محفوظة حفظًا جيدًا مكينًا إن شاء الله.

ما مزية هذا الحفظ أو هذه الطريقة؟ مزيتها انك لا تتعتع ولا تتوقف بعد ذلك أعني عندما تصل الصفحات بعضها ببعض لأن بعض الإخوة يحفظ آية واحدة منفصلة عن ما بعدها ما يؤدي إلى أنه عند التسميع يقف عند رأس كل آية لفقد الرابط بين الآيات فلا يتذكر إلا بدفعة فإذا أعطيته أول كلمة من الآية التي بعدها فينطلق كالسهم حتى يبلغ آخر الآية التي بعدها ثم يحتاج إلى توصيلة أخرى وهكذا

أما حفظ الصفحة بالطريقة التي ذكرنا فهي كاللوح أو القالب يحفظها بقلبه ويرسمها في مخيلته ويتصورها أمامه من مبدئها إلى منتهاها ويعرف غالبًا عدد آياتها، آية الدين صفحة كاملة،بعض الصفحات آيتين، وبعضها ثلاث وبعضها التي فيها آيات كثير ليس بالضرورة ان يتصورها.

لكن هذه الطريقة تجعله أولًا يأخذ الصفحة كاملة بلا توقف يستحضرها تصورًا فيعينه ذلك على حفظها ثم يتصورها هل هي في الصفحة اليمنى أو اليسرى بأي شيء تبتدئ وبأي شيء تنتهي فتُحكَمُ باذن الله عزّ وجلّ إحكاما جيدًا.

طريقة الآيات أو الآية: وهي طؤيقة لا بأس بها وإن كنت أرى الأولى أفضل منها.

ما هي هذه الطريقة؟ أن يقرأ الآية مفردة قراءة صحيحة مرتين أو ثلاث نفس الطريقة الأولى لكن للآية الواحدة مما يعني عدم إلى ترددها كثيرًا بل يكفي المرتين والثلاث ثم يسمع هذه الآية.

ثم يمضي إلى الآية الثانية فيصنع بها صنيعه الأولى لكنه بعد ذلك يسمع الأولى والثانية.

ثم يحفظ الثالثة بالطريقة نفسها، يقرأها أولًا ثم يسمعها منفردة ثم يُسمع الثلاث الآيات من أولها إلى آخرها ثم يمضي إلى الرابعة وهكذا... إلى آخر الصفحة ثم يكرر تسميع الصفحة بعد ذلك ثلاث مرات.

وحذار في هذه الطريقة أن ترى أن الآية الأولى قد أكثرتَ من ذكرها فلا حاجة لتكرارها؛ لأن بعضهم إذا بلغ نصف الصفحة ظن أن النصف الأول مُمَكن فلا حاجة إلى إعادته مرة أخرى ويكتفي بالنصف الثاني فقط وهذا خطأ لأنه سيقف في منتصف الصفحة، وَثِقْ من هذا تمامًا وجربه تراه شاهدًا عيانًا فلا بد لكل آية تحفظ في الصفحة أن تعاد من الأول إلى حيث بلغ حتى يتم الصفحة ثم يأتي بها ثلاث مرات تسميعًا كاملًا.

تختلف هذه الطريقة عن الأولى أنها أبطأ في الغالب فالصفحة في الطريقة الأولى تستغرق في المعدل نحو (10) دقائق.

قد يقول قائل: (10) دقائق قليلة، أقول عشر دقائق كافية إذا كان قاصدًا بقراءته الحفظ جامعًا في ذلك عقله وقلبه يريد أن يحفظ وأما إذا كان ينظر في الغادين والرائحين والمتشاجرين والمتضاربين فهذا لن يكفيه مائة دقيقة دعك من دونها.

وأما الطريقة الثانية فالغالب أنها تستغرق (15) دقيقة لأنه سيكرر كثيرًا ليربط بيم كل آية جديدة وما قبلها وفي آخر الأمر لابد من تكرار الصفحة كاملة وإلا سيحدث التوقف المحذر منه.

ثانيًا: شروط الحفظ:

 هذه نقطة مهمة جدًا ومكملة لما سبق لأنها تتعلق بالاتقان قبل الحفظ، فسواءًا اخترت الطريقة الأولى أو الثانية فلابد من هذه الشروط لتكون طريقتك المختارة صحيحة ومن تلك الشروط:

الشرط الأول: القراءة الصحيحة: من الأخطاء الكثيرة أن كثيرًا ممن يعتزمون الحفظ أو يشرعون الحفظ يحفظون حفظًا خاطئًا لابد قبل أن نحفظ أن يكون ما تحفظه صحيحًا.

وهناك أمور كثيرة في هذا الباب منها على سبيل المثال لا الحصر:

1ـ تصحيح المخارج: إن كنت تنطق (ثُمَّ) (سُمَّ) أو (الّذين) (الّزين) فتقوم لسانك قبل أن تحفظ؛ لأنك إذا حفظت وأدمنت الحفظ بهذه الطريقة وواظبت ستكون جيدًا في الحفظ لكنك مخطئ فيه فلا بد أولًا من تصحيح المخارج وتصحيح الحروف.

2ـ ضبط الحركات: بعض الاخوة أما لضعف قراءته أو لعجلته يخلط في الحركات وهذا الخلط لا شك أنه خطأ وأنه قد يترتب عليه خلل في المعنى إلى غير ذلك مما ليس هو موضع حديثنا لكن لابد ان يتنبه له وأن يحذر منه.

ومن ذلك أن اللغة العربية فيها تقديم وتاخير وفيها إضمار وحذف وتقدير وفيها إعرابات مختلفة فأحيانًا لا يتنبه بعض الناس إلى تقديم المفعول على الفاعل كما في قوله تعالى: {واذا ابتلى إبراهيمَ ربُه بكلماتٍ}.. البقرة: 124

فبعضهم يحفظها {ابراهيمُ} و{ربَّه} أو {ربُّهْ} فيتغير بذلك المعنى المراد إلى عكسه وهو لا يميز ما وقع فيه من خطأ كبير.

ومن المعلوم أن ما حفظته حفظًا خطأ يثبت هكذا ويصعب بعد ذلك تغييره وإزالته فتحتاج إلى عمليه استئصال لهذا الخطأ، كالذي يبني بناءً ثم يتبين له أن هذا البناء خطأ فلابد أن يزيل البناء الأول ليقوم البناء الصحيح ولا بد ان يزيل الخطأ أولًا ثم بعد ذلك يصحح من جديد، فلماذا تكرر الجهد والعمل مرتين؟!

إبدأ بداية صحيحة، حتى لا تحتاج إلى كل هذا الجهد في البناء ثم في تصحيحه مرة أخرى.

وهناك أمثلة كثيرة في مسألة ضبط الحركات، فمن ذلك ضبط حركات الضمائر، لأن الخلط في ضبط حركاتها قد يحيل المعنى إلى غير مراده.

ومثال ذلك: إذا تغيرت الحركة فصار ضمير المتكلم المخاطب أو العكس، كما في قوله تعالى:{وكـنتُ عليهم شهيدًا ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم}.. المائدة: 117

فالتاء في الضميرين الاوليين مضمومة للمتكلم وفي الثانيتين مفتوحة، فأي تغيير في هذه الحركات سوف يغير المعنى،كما يقرأ بعضهم: {وكنتُ أنت الرقيب عليهم} فهذا اللفظ للآية لايمكن أن يستقيم مطلقًا، وهكذا كثير من الحركات تحتاج إلى الضبط ابتداء قبل أن يخطئ فيها.

3ـ ضبط الكلمات:

وهو أشد وأخطر، فإن الحركات منظورة يمكن أن يراها الإنسان لكن بعض الكلمات أما لصعوبتها أو لأن هذا الحافظ ليس متمرسًا في تلاوة القرآن أو غير ذلك، وأذكر لك – أخي القارئ- بعضًا من الأمثلة التي تبين أهمية مسألة العناية بضبط الكلمات:

* فقول الله عز ّوجلّ: {وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك} سمعت مرة من يقرأها {ليزقلونك} والسبق بين الحروف يحصل و عندما يراها رؤية سريعة خاصة إذا كان مبتدًا قد يقرأها خطًا ويحفظها كذلك.

* وهناك بعض الكلمات قد يستثقلها القارئ فيقرأها قراءة خاطئة وتحفظ كذلك مثل {أنلْزِمُكُموها}.

* وبعضها ليس في القران الا مثالًا واحدًا مثل قوله تعالى: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِّي الا أن يُهدى} يقرأها (أمن لا يهدي) وهو لا يشعر لأنها كلها في القران (يهدي) فلابد أن ينتبه إلى مثل هذه الكلمات.

* ومن ذلك أيضًا ما يتعلق برسم الآية كما في سورة البقرة {فلا تخشوهم واخشوني} بالياء، وفي المائدة {فلا تخشوهم واخشون} بدون ياء وإنما كسرة وهذا قد يحفظه الحافظ حفظًا خاطئًا ثم يستمر عليه عند قراءتها.

* وهناك بعض الكلمات التي يختلف ضبطها من موضع لآخر ومن أمثلة ذلك: {سُخْرِيًا} و {وسِخْريًا} فتمر عليه عليه الآية الأولى فيحفظها {سُخريًا} وكلما مرت قرأها {سُخريًا} ولم يفرق بين {سُخْريًا} و{سِخْرِيًا} في كل المواضع التي فيها.

* ومن ذلك التفريق بين حركات الجمع وضمائر التثنية: فضمير الجمع (الذين) غير ضمير التثنية (الذَين) والوارد في قوله تعالى: {ربنا أرنا الذَين أضلانا} وبعض الناس تعود على ضمير الجمع (الذين) ونادرًا ما يمر عليه ضمير التثنية، فيقرأها بضمير الجمع (الذين أضلانا) ولا ينتبه القارئ لمثل هذا أحيانًا خاصة إذا كان غير متمرس أو كان متعجلًا.

* وكذلك ما في قوله عزّ وجلّ: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدَين فيها}.. الحشر:17، بالتثية وليس بالجمع.

فإذًا لابد من ضبط الكلمات حتى لا يحفظها حفظًا خاطئًا والأمثلة في ذلك كما بيننا كثيرة جدًا يصعب حصرها، وما أشرت إليه إنما هي أمثلة للتقريب.

4 ـ ضبط خواتيم الآيات: أحيانًا مع السرعة والعجلة قد لا ينتبه القارئ فيحفظ حفظًا خاطئًا فمثلًا في قوله تعالى {العزيز الرحيم} ينظر إليها القارئ نظرة سريعة ولا يتحقق منها فيقرأها {وهو العزيز الحكيم} وهكذا يحفظها فينبغي أن يضبط ذلك حتى تكون القراءة صحيحة قبل أن يحفظ شيئًا خاطئًا، وأنبه هنا إلى أن الحفظ الذي فيه خطأ يبقى ويستمر ويصعب تغييره في كثير من الأحوال.

فكيف نحقق هذه القراءة الصحيحة؟

الشرط الأول: القراءة على شيخ متقن:

 الأصل أن القارئ أو الحافظ لابد أن يقرأ على شيخ متقن يتلقى القرآن تلقيًا بالمشافهة وهذا هو الأصل في تلقي القرآن، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - تلقى القرآن مشافهة من جبريل عليه السلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - لقنه أصحابه، والصحابة لقنوا من بعدهم، فليس القرآن كتابًا يقرأ مثل غيره من الكتب ففيه رسم خاص به فبعض الكلمات ترسم بطريقة غير ما تنطق به.

وهذا كله لا يتيسر لك معرفته بمجرد القراءة، فالأصل أن تكون متلقيًا من شيخ قد أتقن وتعلم، فهو الذي يقرأ لك الصفحة ويصححها لك أولًا ثم تمضي بعد ذلك لتحفظ حفظًا صحيحًا.

فإذا كنت قد تلقيت التجويد والقراءة وأحسنتهما فلا بأس أن تبدأ بتطبيق هذه الطرق سواء الأولى أوالثانية لكن لابد أن تكون قد أتقنت القراءة وعرفتها وقرأت متلقنًا أما ختمة كاملة أو معظم القران مما يضبط لك هذا الجانب.

الشرط الثاني: الحفظ المتين:

الحفظ الجديد لابد أن يكون حفظًا متينًا لا يقبل فيه خطأ ولا وقفة ولا تعتعة فإذا أردت أن تحفظ صفحة جديدة فلابد أن يكن حفظك لها كحفظك للفاتحة وإلا فلا تعد نفسك قد حفظتها، وذلك لأن الحفظ الجديد هو مثل الأساس، فإذا أتيت إلى أساس البناء وتعجلت وبنيت كيفما اتفق سوف ينهد البناء فوق رأسك يومًا ما.

والحفظ الجديد إذا قبلت فيه بالخطأ والخطأين أو التعتعة أو الوقفة فثق تمأما أنك كالذي يبني على شفير هار، كالمتأرجح فإذا كنت في البداية متأرجحًا فكيف ستبنى على ذلك ما بعده؟ فلا ينبغي لك الترخص مطلقًا في ضبط الحفظ الأول الجديد ولو اخذت بدل الدقائق العشر -التي ذكرناها- عشرين أو ثلاثين أو أربعين المهم لا تنتقل من حفظك الأول حتى تتقنه اتقانًا أكثر من اتقانك للفاتحة.

فلو طلب منك أحد أن تسمع الفاتحة لسمعها بكل سهولة ويسر بل لو كنت نائمًا ورأيت أنك تقرأها فلن تخطئ، لأن الفاتحة قد أدمنت قراءتها وحفظتها كحفظ إسمك لابد أن يكون الحفظ الأول مثل ذلك بلا أخطاء ولا عجلة.

الشرط الثالث: التسميع للغير:

وبهذا سيكتشف أخطاءك التي تقع فيها، فبعض الناس إذا سمع الصفحة خرج مطمئنًا منشرح الصدر مسرورًا وهو ما درى أنه حفظ على خطأ ما شعر به.

بل لو جاء من الغد وسمع لنفسه ولو كان ممسكًا بالمصحف فإنه لن يكتشف أخطائه لأنه يظن أنه حفظ حفظًا صائبًا والمرء راضٍ عن نفسه لا يبصر خطأه.

فالذي يكشف لك خطأك هو ذلك الشخص الآخر فمهما كنت بالغًا من الذكاء وحدة الذهن وسرعة الحفظ فلا بد أن تعطي المصحف غيرك ليستمع لك وهذا أمرٌ لابد منه.

قد لا تجد من يسمع لك الصفحة التي حفظتها أو الصفحتين ففي هذه الحالة لا باس أن تجمع خمس صفحات أو أكثر ثم تسمعها لغيرك لأنه لا زال هناك مجال للاستدراك أما بعد ان تحفظ الأجزاء تأتي تسمع وعندك من الاخطاء ما الله به عليم هذا لا يمكن أن يكون مقبولًا.

الشرط الرابع: التكرار القريب:

فالحظ الجديد يحتاج إلى التكرار القريب فلو أنك صوبته ثم متنته وقويته ثم سمعته وقرأته لا يكفي حتى تكرره في وقت قريب وهو يومك الذي حفظت فيه الصفحة، فإذا حفظت الصفحة في الفجر فإنك إذا تركتها إلى فجر اليوم الثاني ستاتي إليها وقد أصابتها هنات واعتراها بعض الوقفات ودخلت فيها بعض المتشابهات مما قد حفظته قبلها من الآيات فلابد أن تكرره في الوقت نفسه.

فإذا حفظت حفظًا جديدًا فعلى أقل تقدير يجب عليك أن تُسمع الصفحة خمس مرات في ذلك اليوم وسأذكر لك كيف يمكن تطبيق ذلك دون عناء ولامشقة، لأن بعض الإخوة قد يقول: هذا يريد منا أن نجلس في المسجد من بعد الفجر حتى المغرب حتى نطبق هذه الطرق التي يقولها.

وهاك مثالًا على أن الحفظ الذي تتركه ولا تكرره يسرع إليه التفلّت، ففي ترجمه الامام ابن ابي حاتم - رحمة الله عليه - كان يقرأ كتابًا يريد أن يحفظه فكان يقرأه بصوت عال فيكرره وعنده عجوز في البيت وهو يكرر الكتاب المرة بعد المرة فملت منه وقالت: ما تصنع يا هذا؟

قال: إني أريد أن أحفظه، قالت: ويحك لوكنت تريد لقد فعلت فإني قد حفظته، فقال:هاتيه فسمعت له الكتاب من حفظها سماعًا، قال: ولكني لا أحفظه حتى أكرره سبعين مرة، يقول: فجئتها بعد عام فقلت لها: هات ما عندك من الكتاب فما أتت منه بشيء أما أنا فما نسيت منه شيئًا.

لا تنظر إلى الوقت القريب انظر إلى المدى البعيد فأنت تريد أن تحفظ شيئا لا تنساه باذن الله عزّ وجلّ.

الشرط الخامس: الربط بما سبق:

 الصفحة مثل الغرفة في الشقة ومثل الشقة في العمارة فلا يمكن أن تكون هناك صفحة وحدها لابد أن تربطها بما قبلها وتربطها بما بعدها وسياتي لنا حديث عن الربط لاحقًا.

ثالثًا: العوامل المساعدة:

أولًا: القراءة في النوافل:

 النوافل الرواتب خمس رواتب على أقل تقدير في الحد الادنى لمن لا يزيد عليها، ولو سألنا ماذا نقرأ فيها غالبًا؟ كلنا سجيب إجابة واحدة قصار السور.

لماذا لا تقرأ صفحة من حفظك الجديد في تلك النوافل، أقسم الصفحة قسمين كسورة الضحى وألم نشرح تقريبًا في الحجم وهذا سيكون استغلال للنوافل في المراجعة والتمكين وتدريب على الإمامة، فلا تفصل صلواتك وحفظك فهذا عامل مساعد لك في تقوية الحفظ ومراجعته.

ثانيًا: القراءة في كل آن وخاصة في انتظار الصلوات:

هكذا ينبغي أن يكون قاريء القرآن لا يشغله عنه شيء ففي كل وقت يردده ويراجعه فمثلًا عندما تذهب إلى موعد – وغالبًا تأتي ولا يأتي من واعدته إلا متأخرًا - فليكن ديدنك أن تكرر حفظك وليكن مصحفك في جيبك فتستغل وقتًا يهدره الناس.

وأما الصلوات فكثيرًا - وللاسف الشديد- ما نأتيها إلا وقد كبّر الإمام، ولو بكرنا خمس دقائق قبل كل صلاة لكان عندنا خمس صلوات خمس مجالس يمكن أن نكرر فيها صفحة الحفظ أو ان نربط بين الصفحات أو أن ما معنا من الحفظ القديم وهذه الأوقات المهدرة لو استغلت لوجدنا لها بركة في حياتنا وآخرتنا وهكذا كان سلفنا الصالح في حفظ الأوقات.

ثالثًا: القراءة الفاحصة

وهي القراءة التي تفحصك وتمحصك وتعلم منها هل حفظت حفظًا صحيحًا أم لا؟ إنها قراءة المحراب أن تتقدم إمامًا في الصلاة فإذا تيسر لك ذلك أو إذا وجدت الفرصة أو إذا قدمت إقرأ في المحراب ما حفظت، فإن كنت مطمئنًا مستطيعًا للقراءة دون تلكؤ أوتخوف ولاتوقف وهذا مما يعين.

لأن قراءتك في النافلة إذا أخطأت ركعت واذا أخطأت في الركعة الثانية انتقلت إلى سورة أخرى أما في المحراب فغالبًا ما يمحصك ويفحصك فحصًا جيدًا فاحرص عليه إن كنت إمأما أن تجعل من حفظك في صلاتك وقراءتك.

رابعًا: سماع الأشرطة القرآنية المجودة:

وهذه نعمة من نعم الله عزّوجلّ علينا أنك يمكنك أن تسمع حفظك القديم والجديد في كل وقت في أثناء مسيرك في سيارتك أو قبل نومك في يبتك اجعل شريط القران دائم التكرار ولا يكن ذلك عفوًا بل ليكن في طريقة منهجية مرتبة.

بمعنى أن تضع كل أسبوع سورة معينة أو جزءًا معينًا للمراجعة أو للحفظ فتكررها دائمًا خلال ذلك الأسبوع وليس كيفما اتفق أو حسب الحاجة وعندما تسير على هذا النظام سيكتمل برنامج حفظك ومراجعتك وسيكون ذلك من أعظم الأمور المعينة والمساعدة لانك ستسمع إلى القراءة الصحيحة المجودة المرتلة فتزيل بذلك خطئك وتقوّم لسانك وستعيد وستكرر ذلك مما يثبت حفظك ويسهل مراجعتك وستعيدها ويكون عاملًا لك في حفظ الأوقات واستغلالها.

خامسًا: الالتزام بمصحف واحد للحفظ:

وهذا أيضًا من الأمور التي يوصى بها ويحرص عليها كثيرًا لابد أن تأخذ لك مصحفا واحدا تحفظ عليه قدر استطاعتك من أول المصحف إلى آخره لأن التغيير تشويش أنت عندما تلتزم المصحف الواحد غالبًا ما ينقدح في ذهنك صورة الصفحة

ومبدأ السورة في الصفحة ومبدأ الجزء في تلك الصفحة وأين تنتهي وكم عدد الآيات فيها وذلك يثبت حفظك ويجعلك أقدر على أن تواصل وأن تربط وأن تمضي إن شاء الله مضيًا سريعًا جيدًا وقويًا.

أما إذا حفظت اليوم في مصحف وغدًا في مصحف آخر فهذا يسبب لك تشتتًا كبيرًا يمنعك من تصور ما تحفظ، فالسورة التي تبدأ هناك في أول الصفحة تكون هنا في آخرها وبهذا فلن تستفيد من هذه النقطة والتي تعتبر عاملًا مساعدًا لك على الحفظ.

إذًا فالمصحف الواحد يعينك وأجود المصاحف ما يسمى مصحف الحفاظ وهو مصحف رأس الآية الذي يبدأ بآية وينتهي بآية، لأننا بينا سابقًا أن مقدار ومقياس الحفظ هو الصفحة.

سادسًا: استعمال أكبر قدر ممكن من الحواس:

هذه النقطة من أهم النقاط وأكدها فإنه معلوم من الناحية العلمية أن استخدام حاسة واحدة يعطي نتيجة بنسبة معينة فإذا استخدمت للحفظ أو للعمل في هذا الميدان حاستين زاد استيعابك وفهمك وحفظك له وإذا استعملت ثلاث حواس كانت الفائدة أكثر وأعم وهكذا كلما زادت الحواس زادت الفائدة.

كيف نستخدم الحواس؟

بعض الإخوة يقرأ- كما يقول- بعينه، هذه أمر يضعف حفظه الله، اقرأ بعينك وارفع صوتك بلسانك، ثم إذا استطعت – مع ما فيه صعوبة- أن تكتب ما حفظت ففي هذا قيد ومتانة للحفظ، فإذا حفظت صفحتك فاكتبها ولو على غير الرسم كتابة من أجل تثبيت الحفظ، فإن الكتابة يثبت الحفظ تثبيتًا راسخًا لا ينسخ بإذن الله عزّ وجلّ.

ونحن نعلم شأن الكتاتيب والتي بعض الناس يقول زمن الكتاتيب، وطريقة الكتاتيب، وكأنها أمر فيه تخلف، وهي في حقيقة الأمر من أجود و أمتن وأحسن ما أن يكون عليه الحفظ.

وأذكر لكم هذه التجارب: ذهبت مرة إلى بلاد المغرب إلى بعض المساجد ووجدت الطلاب كل معه لوح من الخشب يكتب عليه فاذا كتب عليه ظل يرددها حتى يحفظه، ثم يغسله في سطول الماء المتوفرة هناك ليكتب غيره، ولكن إذا محى رسم لوحه فإن في ذهنه حفظًا لا ينمحي بإذن الله.

وعندما ترى أمثال هؤلاء الذين يحفظون بالكتاتيب تتعجب فبمجرد سؤاله عن آية ينطلق دون خطأ أو تلعثم كأنما أنت أمام آلة التسجيل.

وهذا أمر حاصل في بلاد المغرب العربي وموريتانا وغيرها من بلاد أفريقيا.

وفي تركيا مدارس لتحفيظ القران على النظام الداخلي يدخل فيها الطالب ولا يذهب إلى أهله إلا في آخر الأسبوع ويتواصل ذلك لمده سنتين كاملتين فيحفظ الطالب حفظًا عجيبًا وان شئت فقل أعجب من العجيب.

فهو يحفظ بأرقام الآيات ومواضعها وترتيبها، فإذا أتيته بالآية فإنه لا يأتيك بالتي بعدها بل يأتيك بالتي قبلها واذا جئته بالآية وقلت: أنك تريد نظائرها قرأ لك هذا الموضع وأتمه ثم جاءك بالموضع الآخر من سورة أخرى وأتمة وهكذا يسردها موضعا ًموضعًا، أنه يحفظ حفظًا في غاية القوة والمتانة.

النقطة الثالثة: المراجعة:

وهي من تمام الحفظ فلا حفظ بلا مراجعة ولا مراجعة أصلًا من غير حفظ وهناك ثلاثة أسس قبل أن ندخل في طريقة المراجعة:

الأساس الأول: التعاهد الدائم:

 ولست بصدد ذكر النصوص في تفلت القران والقرآن ميسر من لدن حكيم عليم قال الله عزّوجلّ في وصفه: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} ولكن جعل من خصائصه أنه سريع التفلت لحكمة أرادها الله عزّ وجلّ فمن أراد حفظ القران الكريم ليتباهى به أو ليأخذ به جائزة فهذا سيحفظه ثم ينساه

أما من يريد أن يحفظ القران حفظًا خالصًا لله عزّوجلّ لينتفع به في عبادته وتعليمه وسلوكه فإنه لابد أن يبقى معه وبقاؤه معه هو التأثير الايجابي العملي السلوكي.

فإن الأمر ليس مجرد حفظ وإن كنا نركز على الحفظ هنا لأننا نهدف إلى طريقة مثلى له، وهذا لايعني أنه في معزل عن باقي الأمور.

الأساس الثاني: المقدار الكبير:

 فالذي يريد أن يراجع صفحة في اليوم وهو يحفظ أجزاء كثيرة فهذه لا تعد مراجعة ولا ينتفع بها الا في دائرة محدودة جدًا، فلابد من المقدار الذي يناسب حفظك.

الأساس الثالث: استغلال المواسم:

 مثل موسم رمضان هو موسم المراجعة الأكبر وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتقي بجبريل عليه السلام في رمضان ويتدارسان القرآن معًا في كل رمضان حتى إذا كان العام الأخير تدارسه معه مرتين، فهذه مواسم تجمع وتفيد الحريص باذن الله عزّ وجلّ.

طريقة المراجعة:

 وأما طريقة المراجعة فأحب أن أشير إلى أمر مهم جدًا وهو:إذا اعتبرنا المراجعة هي عبارة عن وقفات ومحطات فأحسب أنها لا تفيد كثيرًا، يعني أحفظ خمسة أجزاء ثم أقف للمراجعة فهذه الطريقة من واقع التجربة أرى عدم جدواها لأنك تكون كالذي يحرث في الماء خاصة إذا كانت طريقته في الحفظ ليست محكمة وجيدة.

لابد أن تكون المراجعة جزء لا يتجزأ من الحفظ فتجمع بينهما فكما أنك تحفظ كل يوم تراجع كل يوم فلا يقبل من الطالب أن يقول: ليس عندي في هذه الأيام مراجعة، أو المراجعة ستكون في الشهر القادم أو بعد شهرين هذا - سيما في البدايات - لا يمكن أن يثمر ولا أن ينتفع في غالب الاحوال فلابد أن تكون المراجعة جزءً أصيلًا.

ويمكن أن أشير إلى أمرين مهمين في مسألة الطريقة:

المسألة الأولى:

فعند تسميعك لكل صفحة جديدة لابد من تسميع أربع صفحات من الحفظ الجديد قبلها فيجتمع عدد خمس صفحات، وفي اليوم التالي سيحفظ صفحة جديدة سيسمعها ومعها أربع صفحات من التي قبلها وستكون صفحة الأمس معه، وعلى هذا فصفحة الأمس ستكرر خمس مرات فهذا أولًا جزء المراجعة

المبتدئ الذي هو للحفظ الجديد الذي يحتاج إلى صيانة مستمرة وأي شيء تترك صيانته فيتسرب إليه الخلل. وهذا سيجعل الصفحة الجديدة تسمع خمس مرات قبل أن ينتقل إلى صفحة سادسة وسيعيد قبلها اربع فلن تكون الاولى منها.

المسألة الثانية:

أن يسمع في كل يوم عشر صفحات من القديم وكما قلت ليس هذا صعبًا ولا محالًا إذا استغل مشيه في سيارته وقراءته في نوافله وسماعه للأشرطة إلى غير ذلك مما أشرت إليه، فسوف يتحقق ذلك إن شاء الله دون عناء كبير ولا وقت طويل المهم كما ذكرنا النية الخالصة والسيرة الصالحة والعزيمة الصادقة والطريقة الصائبة والاستمرارية المنتجة فهذه أمور تضبط لنا الأمر خاصة في البداية.

فلو تصورت انك بدأت الحفظ حديثا فحفظت الصفحة الاولى ثم جئت في اليوم الثاني فحفظت الثانية ضمن لازم ذلك ان تسمع الصفحتين معا حتى إذا جئت إلى اليوم الخامس سمعت الصفحات الخمس ثم إذا جئت إلى اليوم العاشر سمعت العشر بعد ذلك تمضي إلى نهاية الجزء سمعت العشرين صفحة ماذا سيكون؟

ستكون الصفحة الاولى قد مرت بك نحوا من ثلاثين مره فاذا مشيت على هذه الطريقة إذا جئت إلى الجزء الثاني والثالث لم يكن الجزء الأول صعبا عليك ولن تحتاج ان تقول إذا لابد ان اتوقف الان حتى أراجع ذلك الجزء.

هذا التوقف والوقفات الطويلة للمراجعة هي حفظ جديد كثيرا ما يصنع ذلك طلبه التحفيظ يمضي خمسه أجزءا ثم يقول اقف للمراجعة، ووقفته للمراجعة

حفظ جديد يحفظها مره ثانيه ثم لا يحكمها ويمضي خمسه اخرى ثم يقول اجع وهو كما قلت كانما يحرث في الماء فلينتبه لذلك.

عوامل مساعدة للمراجعة:

اولًا: الإمامة في الصلوات:

ثانيًا: العمل بالتدريس في مجال التحفيظ:

فبعد حفظك لكتاب الله ستهفو نفسك للخيرية في تعليمه بعد تعلمه وهذا أمر مهم جدًا لأنك إذا صرت معلمًا للقرآن سترتبط به فهذا يقرأ في الجزء الأول وهذا وصل إلى الجزء الخامس مما يربطك بالأجزاء ويثبت حفظك ويكون سببًا لمراجعتك وتمكينك.

ثالثًا: الاشتراك في برامج التحفيظ:

 عندما تحفظ لوحدك قد يصيبك الملل ويتسلل إليك الكسل فتترك ما بدأت به لكن عندما يكون حولك من يشاركك الأمر فهذا شاحذ لهمتك ومقوي لعزيمتك وبهذا تسري فيك روح المنافسة فتستطيع السير والمواصلة.

رابعًا: قيام الليل والقراءة فيه:

 الذي هو دأب الصالحين، وقرت عيون الموحدين، وهو من الامور النافعة المفيدة التي قل من يأخذ بها إلا من رحم الله وقد أفاض النووي رحمه الله عليه في (التبيان) في هذا الباب لا نريد ان تتفرع إلى ذكر الفضائل أو المزايا في قراءة الليل.

النقطة الرابعة: الروابط والضوابط:

 كيف نربط بين الآيات والسور وبعض الناس يشكون من هذه المشكلة خاصة الذين لم ياخذوا بهذه الطرق أو الذين لم ينتظموا بها أو يستمروا عليها وقد يقول أحدهم:أنا عندي قدرة على الحفظ تمكنني من حفظ الكثير في المجلس الواحد لكن الإشكال في المتشابهات، فهناك آيات تختلط عليّ وسور يشبه بعضها بعضًا وهنا تكمن المشكلة.

وأقول:

أولًا قبل أن ندخل في التفصيلات الحفظ لا يتعلق بالروابط والضوابط ولا يحفظ المتشابهات وغيرها، الحفظ يعتمد على ما ذكرت من حسن الطريقة الصحيحة ومن دوام المراجعة المكثفة لأن الحفظ عملية ذهنية آلية يمكن فصلها نظريًا عن العمل ويمكن فصلها عن الفهم فأنت تستطيع أن تحفظ ما لا تفهم.

يذكر في ترجمة أبي العلاء المعري الشاعر أنه كان وقاد الذهن سريع الحفظ حتى أنه كان يحفظ أي شيء يسمعه فقيل: أنه اختلف روميان وتصايحا في أمر من الحقوق فاختلفا إلى من يحكم بينهما فقال لهما الذي يحكم هل شهد أحد غيركما حواركما أو خصامكما قالوا لا لكن كان إلى جوارنا رجل أعمى – وهو أبوالعلاء - فجيء به فقال: أما إني لا أعرف رطتهما لكن الأول قال كذا وكذا والثاني قال كذا وكذا.

إذا فلا تتعلق في الحفظ بأنك تريد ان تنظر إلى الضوابط والمتشابهات ويأخذ بعض الأخوة الكتب ما الفرق بين هذه الآية؟ هذا نعم لا باس لكن ليس هو الأساس، الأساس أن تحفظ الحفظ الذي هو التسميع الذي هو التكرار الذي هو إدمان القراءة والتلاوة والتسميع والمراجعة هذا هو الذي يتحقق به الحفظ.

الروابط هذه أمور أخرى لاحقة وتابعة ومن باب النافلة والزيادة ليست هي أصلا في هذا ولكنها في الوقت نفسه معينة ومفيدة ومكملة ومتممة فلا تعتمد عليها ولكن استأنس بها.

وهذه متفرقات حقيقية حول الضوابط والروابط:

وهناك متشابهات في القرآن الكريم مصداقًا لقول الله عزّ وجلّ {الله نـزّل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا}.. الزمر: 23، في بعض معاني التفسير أنه يشبه بعضه بعضا.

ونحن نعلم أن هناك آيات متكررة وآيات متشابهة لكن لا يختلف بعضها عن بعض الا في حرف واحد وهذا من إعجاز القران وسعته ودقة معانيه وفيه كلام طويل عند أهل العلم لكن لنأخذ بعض الملامح في مسائل متشابهات لعلها أن تعين.

وأريد أن أشير إلى أن هذه الضوابط والروابط تعتمد على كل أحد بنفسه فأنت قد تضع لنفسك ضابطًا ليس لي فأنا أكون قد ضبطت هذه الصفحة أو هذه السورة بتصور معين وأنت ضبطتها بتصور آخر أي اقصد الضبط المعنوي أما الحفظ فكله واحد.

الأمثلة:

1- المنفردات والوحدات:

وهناك رسالة صغيرة بهذا العنوان المنفردات والوحدات، ومعنى هذا أن هناك آيات متشابهة لكن واحدة منها كانت بصيغة معنية فاعرفها حتى تعرف ان ما سواها متطابق وهي الوحيدة التي انفردت بذلك كما في قوله عزّ وجلّ {وما أهل به لغير الله} هذه في البقرة وحدها تقديم {به} على {لغير الله} وفي باقي القران في المائدة وفي الانعام وفي النحل تأخير {به}.

ومن المنفردات أيضًا قوله عزّوجلّ {ويقتلون الأنبياء} في آل عمران وحدها وفي أكثر الآيات {النبيين} هكذا ستجد بعض المنفردات يمكن ان تميزها حتى تضبط وتتم الحفظ أو تتقنه.

وبعد أن تحفظ لك أن تسمع الضوابط والروابط بنفسك خذ الآيات التي فيها هذه المتشابهات وضعها أمام عينيك واجعل لها رابطا بحسب ما ترى مثلا أمر إبليس بالسجود ورد في مواضع كثيرة من القرآن ضع هذه الآيات أمامك وميز بينها بأي تمييز تراه يفيدك ويثبت في ذهنك وليس من شرط في هذا فالأمر واسع.

2- مسألة المتشابهات:

هناك كتب ألفها العلماء في ضبط هذه المتشابهات فجاءوا لك بالآية وشبيهها في موضع واحد ونبهوا على أن الفرق بين هذه وهذه هو هذا الحرف أو هذه الكلمة أو هذا التقديم أو هذا التأخير.

كونها جمعت في مكان واحد مساعد لك على استيعابها والتفريق بينها إضافة إلى ان العلماء رحمهم الله صنف بعضهم في هذه المتشابهات معلقا على الاختلاف بينها في المعاني فاذا عرفت المعنى لا شك انه سيثبت لك الفرق بين هذه الآيات.

وعلى سبيل المثال كتاب [فتح الرحمن في كشف ما يلتبس من القران] لشيخ الإسلام أبي زكريا الأنصاري، ومنها [درة التأويل وغرة التنـزيل] للخطيب الإسكافي، ومنها [أسرار التكرار في القرآن] للإمام محمود بن حمزة الكرماني، ومنها [متشابه القرآن] لأبي الحسين منادى وغير ذلك.

أضرب مثالًا في قصة زكريا - عليه السلام - وقصة مريم في سورة آل عمران في أول قصة زكريا قال {كذلك الله يفعل ما يشاء}، وفي قصةمريم قال: {كذلك الله يخلق مايشاء} ثم قال هناك يفعل، وقال هنا يخلق، هناك زكريا الزوج موجود والمرأة موجودة اللهم كبر السن.

فالأمر ليس مثل قصه مريم امرأة بلا زوج قال يخلق ما يشاء فهنا تستطيع أن تفرق بالمعنيين، هذه القصة وتلك القصة فيثبت في ذهنك أن قصه زكريا فيها كذلك الله يفعل وفي تلك كذلك الله يخلق وهكذا.

ولنأخذ أمثله مما قد تضبطه بنفسك وتضع له قاعدة وحدك دون غيرك المسألة واسعة:

مثال في آل عمران في الآية (176-177-178) فـيـها {عذاب عظيم} والثانية بعدها {عذاب أليم} والثالثة بعدها {عذاب مهين} وجمعها في كلمة {عام} الاولى العين عظيم والالف اليم والميم مهين فتنضبط معك، فإذا جئت إلى هذه الصفحة وانطلقت وأنت مطمئن لاخوف عليك أن تخلط بين هذه وتلك.

مثال آخر في المائدة {لبئس ما كانوا يعملون} بعدها مباشرة {لبئس ما كانوا يصنعون} بعدها في الصفحة التي بعدها {لبئس ما كانوا يفعلون} اجمعها في كلمة (عصف)، الأولى عين يعملون، الثانية صاد يصنعون، الثالثة فاء يفعلون تنضبط معك ولا اشكال فيها باذن الله عزّ وجلّ.

ومثلا {وأرادوا به كيدا فجعلنهم الاخسرين}، {فأرادوا به كيدا فجعلناهم الاسفلين} ميّز بينها، الصافات فيها الفاء فأرادوا فيها فاء في {الأسفلين} فإذا الفاء تتبع الصافات ستبقى الأنبياء بالواو، وبالآخسرين بدل الأسفلين، وهكذا قس على هذا تجد أمورًا كثيرة يمكن أن تجعلها في هذا النسق.

مثل {ولقد صرفنا للناس فـي هذا القران}، وقوله عزّ وجلّ: {ولقد صرفنا في هذا القران للناس} الأولى في الإسراء فيها حرف السين فقدم ما فيه السين وهي للناس وقل: {ولقد صرفنا للناس في هذا القران}، والثانية الكهف فيها الفاء قدم ما فيه الفاء وقل: {ولقد صرفنا في هذا القران للناس}، وهكذا ضوابط معينه يمكن أن تستفيد منها.

أيضًا تقديم اللهو واللعب (لهو ولعب لعب ولهو).

قال أحدهم ضابطًا لها:

و قدم اللهو علـى اللـعـب في **** الأعـراف قـل والعنكبوت ياصفي

مثل الرجفة مع الدار والصيحة مع الديار.

3- فهم المعاني وتأملها:

ومعرفة المعنى وفهم الآيات وتأمل مقاصد السور يعين على الربط خاصة السور القصيرة وقد يعينك موضوعها على أن تتصور التدرج في هذا الموضوع.

ففي سورة الرعد بدأ الله – عزّ وجلّ - بالآيات التي في السموات من عظيم خلقه ثم الآيات التي في الارض ثم بعد ذلك انتقل إلى موقف الكفار من هذه الآيات وانهم كفروا بالله عزّ وجلّ. ثم أنتقل إلى إقرار آخر في علم الله عزّ وجلّ.

واذا قرأت ما يعرف مقاصد السور أن تتصور هذه السورة بمقاطعها وأجزائها فتعينك على تصور تسلسلها بعض السور يعينك انها في القصص الطويلة مثلًا قصة يوسف سورة كاملة إذا عرفت القصة صورتها قطعا لن تقفز إلى حدث وتأتي بآياته قبل الحدث الأول

إذا كنت تعرف القصة وعرفت مضامينها فقلت في القصص الطويله مثل قصه يوسف وقصه موسى في بعض المواضع ممكن تصور القصه ان يعين على الربط بين آياتها ويعين ذلك ايضا في مثل السور التي فيها قصص لعدد كثير من الانبياء مثل قصه هود وقصه الاعراف والانبياء حاول ان تكتب قصص الانبياء مرتبه مثلا في الاعراف قصه نوح ثم عاد ثم صالح ثم... الخ فاعرفها حتى إذا انتهيت من قصه النبي الأول وانت تقرأ عرفت أن بعده النبي الثاني فتبدأ.

وكما قلنا في وقفه تحتاج إلى دفعه فاجعل دفعتك ذاتيه دون ان تحتاج إلى من يدفعك أو من يلقنك ايضا الاجزاء والارباع ومبدأ السورة مطلع الجزء بداية الحزب أو الربع مهم جدا ويفيد فأنت تجعل لكل ربع مضمونًا مثلًا تقول الربع الأول في البقره سيكون محفوظا الربع الثاني.

تقول هذا الذي فيه قصه ادم مثلا والملائكة مع ادم الربع الثاني قصه بني اسرائيل مع فرعون الربع الثالث قصه البقره فتجعل لكل ربع مثلا تصورا معينا أو مضمونا معينا يجعله حاضرا في ذهنك هذا

الربط المعنوي فيه صعـوبـة لكنه في الغالب مع المراس يتولد عندك شيء من هذا الربط.

4- الربط العام:

 أن نربط الآيات بطريقة الحفظ التي ذكرناها ونربط السور والاجزاء ونعرف ترتيب السور وترتيب الاجزاء ومطالعها هذا يتم من خلال الطريقة التي أشرنا اليها في الحفظ والمراجعة.

النقطة الخامسة: فروقات واختلافات:

 لا شك ان الذي ذكرنا قواعد عامه وان الناس يتفاوتون في السن وفي الحفظ وفي سعه الوقت وفي القدره على الاحتمال ونحو ذلك هذا كله وارد في هذا الباب لكن قد ذكرت ما احسب انه يصلح للجميع

وقد اردت ان يكون التركيز في هذا على معنى الحفظ بحثا مجردا لاي احد صغيرا كان أو كبيرا موظفا أو طالبا في حلقه أو في غير حلقه منفردا أو مع مجموعه يمكن ان يفيد مما ذكرته من هذه المعلومات والطرق والملامح السريعة التي اشرت اليها لكن لهذه الفروقات جوانب منها.

اولًا: السن:

الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر فاحفظ وانت صغير ان استطعت أما إذا كنت قد كبرت فلن تستطيع ان تصغر نفسك لكن عوض ذلك في ابنائك وانتفع به ان شاء الله فيهم فالحفظ في الصغر حفظ لذات الحفظ أو المضمون الحفظ لن أذكر للصغير متشابهات لانه لا يدرك هذا لن استطيع ان اشرح له معاني الآيات وتفسيرها هو سيحفظ حفظا ويرسم رسما هذا الحفظ هو الحفظ القوي المتين.

كما يحصل الان في دراسات ومعاهد إسلامية على أن المناهج القديمة خاصة كالأزهر وغيره يحفظون في الازهر في الابتدائية في الاربع سنوات ألفية ابن مالك كل سنة مائتين وخمسون بيتا يحفظها الطالب لا يفهم منها شيئا ولا يعقل منها شيئا فاذا دخل المتوسطة كان المنهج المقرر شرح الفيه ابن مالك.

وبعض الناس يقولون لماذا نرهق ابنائنا في الحفظ في المدارس الابتدائية وأحدهم كتب في احدى الجرائد قائلا من قال لكم ان السور القصيرة سهله الحفظ ونقول لهم قول الله عزّ وجلّ (ولقد يسرنا القران للذكر لهل من مدكر)

فالحفظ هو الاساس في العلم ليس وحده لكن هو اساس المدخل تريد ان تفهم، كيف تفهم ما لا تحفظ، تريد ان تستشهد كيف تستشهد بما لا تحفظ، تريد ان تدلل كيف تدلل على شيء لا تحفظه إلى آخر ذلك ن الحفظ امر اساسي لابد منه إذا أول شيء في الفروق والاختلافات مساله السن فاحرص على هذا السن.

ثانيًا: الاوقات والشواغل:

 اختر الوقت الصافي الذي فيه صفاء من وجهين:

- أولًا: صفاء الكوادر والشواغل:

 - ثانيا:ً ان يكون صافيًا أي خالصًا لفترة الحفظ:

لا تجمع معه غيره لا تحفظ وان تريد في وقت الحفظ ان تحفظ وتأكل أو تحفظ وترد على التليفون لا تفعل ذلك أبدا.

اجعل حفظا صافيا للحفظ وبعيد من الشواغل، والأوقات تتفاوت بالنسبة للناس ولكن أفضل وقتين فيما أرى - والله أعلم - بواقع حياه الناس قبل النوم وبعد الفجر، قبل النوم لن يكون عندك أحد ولن يأتيك أو غير ذلك، لكن هو أهدأ الأوقات وبعد الفجر أيضًا من أهدئها وأعرنها على مثل هذا الأمر.

ثالثًا: برمجة الحفظ في وقتك:

الناس يختلفون في اشغالهم ووظائفهم أو مدارسهم لكن هناك أمر لابد أن يستفاد منه وهو البرمجة ما يكون عندك من أمر له أهمية ضعه في برنامجك كما أنه لا تتصور أن يمضي يومك دون أن تصلي الفرائض الخمس أو يمضي يومك دون أن تنام أو دون أن تاكل أو عند بعض الناس دون أن يفعل شيئا من الاشياء التي تعوّدها.

فلا تجعل وقتك ويومك يمضي إلا وفيه البرنامج جزء من الوقت لهذا الامر يقل أو يكثر، ولكن لا يزول بل يثبت.

أمثلة ونماذج من الحفاظ:

واذكر بعض الأمثلة الواقعية فليس هذا الكلام نظريًا ولا خياليًا بل هو واقعي في أعظم صور الواقعية واذكر لكم بعض الأمثلة من المعاصرين القدامى:

* ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار ذكر عن أحد المترجمين من القراء أنه حفظ القران في سن التمييز يعني في سن الخامسة، قال: وجمع القراءات في العاشرة، قال: وهذا قلّ في الزمان مثله وهذا يحصل ويقع وتجد بحمد الله عزّ وجلّ هذه الأمور واضحة وجليلة.

* والشيخ الدوسري - عليه رحمة الله - في ترجمته قال: وحفظت القران في شهرين اعتزلت فيها الناس وأغلقت علي مكتبي ولم أكن لأخرج الا للصلاة فحفظه في شهرين ستين يومًا.

* وانا أذكر لكم قصة رجل أعرفه وهو لا يزال موجود بيننا، هذا شاب أصله من السودان كان والده يدرس في أمريكا، وولد هو في أمريكا ودرس المرحلة الأولى الجامعية وأخذ الماجستير في الهندسة وشرع أيضًا في مرحلة الدكتوراه.

وكان في المسجد أو في المركز الاسلامي وبعض إخواننا ممن يسكنون معنا في هذا الحي، وهو ممن يحفظ أكثر القران ومجود تجويدا جيدًا وقراءته جميلة

فكان يؤمهم في الصلاة فلفت نظره، يقول لي هذا الأخ - وهو هنا عندنا في جدة - يقول: ما كنت قد سمعت قراءة بمثل هذه الجودة، ثم سألت فقيل إنه يحفظ عشرين أو خمس وعشرين، قال ففكرت وقلت: إني مسلم ولا أحفظ شيئا من القرآن ولا أحسن تلاوته.

قال فعزمت أن أحفظ القران أوقف دراسته وأخذ إجازه وجاء إلى المملكة متفرغًا للحفظ يقول: يريد ان يحفظ ويتعلم بعض الأمور من الحديث وبعض الأمور الاسلاميه، جاء اليّ مُرسلًا من هذا الأخ الذي هو جار لنا فوجدت عنده همة صادقه وعزيمة عالية

فما كان منه إلا أن ذهب إلى مكه في الحرم متفرغًا وبترتيب مع بعض المدرسين لعلهم أيضًا أعانوه على ذلك، فأتم الحفظ في مائه يوم يعني ثلاثه أشهر وعشرة، ثم جاء إلى هنا مرة أخرى.

وقال أعلم أن الحفظ السريع يحتاج إلى مراجعة فطلب أن يلتحق بمدرس حتى يراجع ويسمع فألحقته بأحد الحلقات عند أحد المدرسين الجيدين، ومدرس آخر يدرسه التجويد، وهو الآن يسمع ويواظب وينتظم لا يغيب يومًا واحدًا؛ لأنه ما جاء إلا لهذا وما فرغ وقته الا لهذا وما قطع دراسته إلا لهذا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: موقع إسلاميات